بقي بوكوفسكي فرداً يغرد خارج سرب التيارات والمدارس والحركات (وإن صفنه بعضهم ضمن ما يعرف بمرحلة “الشعر الاعترافي” التي ازدهرت كذلك في الستينات من القرن العشرين، كما يصنف ككثيرين من أبناء جيله ضمن شعراء ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهي تسمية عامة مثلما هو واضح). وبقيت سيرته الذاتية، التي تعتبر في الواقع سيراً عدة، ولا سيما ذكرياته، تشكل جزءاً كبيراً من أدبه، ذلك الأدب الخاص بامتياز.
سجل بوكوفسكي وعلى امتداد نحو سبعين كتاباً بين مجموعات شعرية وروايات ومسرحيات، سيرته الموزعة بين الماضي والحاضر الذي احتلت النساء والكحول والشخصيات الهامشية النافرة جزءاً أساسياً منه. وإذا كان الواقع شديد الحضور في بنائه الأدبي فدائماً من زاوية التورط الشخصي، والنظرة الفاحصة إلى هذا الواقع الذي لم تعد تفاصيله مجرد ذريعة أو استعارة لتعبير سياسي مضمر، بل أصبحت واقعاً بديلاً قائماً في ذاته.