رواية زنديق بغداد من ضمن روايات عربية قليلة تتناول الزندقة في التاريخ العربي والإسلامي، حيث تتبع الرواية سيرة شخصية فذة ومحيرة من المفكرين العرب وهو ابن الريوندي المعروف خطأ بابن الراوندي أو الروندي. الذي عاش في النصف الأول من القرن الثالث من الهجرة. وكان من أبرز مفكري عصره من المتنورين. واتهم بعد وفاته كالكثير من المفكرين الأحرار بالزندقة والكفر. يمكن اعتبار كتاب زنديق بغداد بمثابة سيرة روائية لمفكر وعالم لم يتكرر.
من رواية زنديق بغداد
حدثت كثيراً، شرّقت وغرّبت، زرعت بعض تفاؤلها في قلبي بعد أن حذرتني، أذكر أني أخذتها على سبيل المزاح وقلت لها: “كل هذا على كفي”، قالت: “نعم أيتها السّاذجة، هو قدرك مرسومُ على يديك!”، قلت متحديةً: “بل قدري أرسمه بيدي”!. ضحكت هازئةً وقالت: “لا تكوني واثقة ًجداً أيتها الفتاة الغر، كثيرون استسلموا بعد أن تيقنوا أن الريح لا تسير بأمر الربان، والأمطار لا تنزل بدعاء الرهبان، والزلازل لا ترهبها جيوش السلطان، هكذا كانوا دائماً يظنون بأن العالم بين أيديهم، وإذ هم بين يديه، ظنّوا أنهم أشجار متجذرة لا تكسرها الرياح ولا تحنيها العواصف، وإذ بهم مجرد أوراق أشجار في مهب رياح الخريف، ترميهم حيث يكرهون لا كما يحبون، تذكري يا بنت آدم أنّ (آدم أوّله آه وآخره دم) .. لا ينجو منها إلّا من ارتبط قلبه بالأعلى .