الأدب بألوانه يسلب الروح قبل العقل. يدفع النفس لهاوية لا قرار لها, فى حين تكون الاخر غير متوقعة سواء بالسلب أو الإيجاب. فهي في يد اللون الأدبي نفسه. و في أدب الرعب لا تعتقد أن الاخر مضيئة يا عزيزي…
عند ذكر كلمة “رعب” تتراءى إلى أذهاننا العديد من المفاهيم تلك التى لها علاقة بالدماء المنثورة, البطون المبقورة, و الشياطين تلك التى تحمل أصواتًا من الجحيم تبتر روحك من الوجود. لكن لافكرافت صاغ من الأفكار
التقليدية, حبكاتٍ متعارضة تعمد إلى السلاسة و التتابع. حيثما لا تستشعر في سرده رتابة أو فتورًا. في البداية يكتنفك عور أن ذلك الأمر تافه, من ذلك الذي يقتنع بوجود كائنات غير أرضية سبرت أغوار كوكبنا قديمًا؟ بالطبع ذلك لجنون و شيء غير منطقي بالمرة, و حتى ذلك الشخص أراهن أنه غير مقتنع بما يسطر.
لكن مع الأستمرار, تجد أن الأحداث بالرغم من بساطتها الشديدة- تأخد منحنيات أقرب إلى العقلانية. الخرافة المتوارثة باتت تمتزج بالعلم المعرفي في صورة حديثة. صرت تقتنع رويدًا رويدًا بما قلت عنه مجرد تراهات تخرج من أفواه العجائز الشمطاوات في أيام الأعياد السحرية قبل قليل. يمتاز الكاتب بكون حبكاته غير متشابكة و بسيطة, و في نفس الوقت قدمت الغرض منها بأحسن السبل و أكثرها وقعًا على الأفئدة قبل العقول. السرد في بعض المقاطع كان واهنًا, لكن سرعان ما يستحيل ذلك الضعف قوة ذات تأثير بليغ, حيث أن الكاتب عمد إلى أسلوب معين يتلخص في: القليل إلى القليل عديد. فأنا كي أستميلك حتى الاخر و ليكون عقلك قادرًا على مجاراتي, لابد أن أتخذ التدريج الغير مباشر في تصاعدي السردي. من كان يعتقد أن بضع خطابات من صديق إلى خليله ربما تصل بك إلى ذروة الشغف و الرعدة؟ ذلك هوارد فيليبس لافكرافت.
الرعب ليس أشباحًا أو كيانات سرمدية فحسب. بل هو التوظيف المتفرد للفكرة التي تبدو في ظاهرها غير مجدية و تكرارية. أن تكون لك بصمة خاصة في مجالك. أن تجعل من السلاسة منوالًا لك, و من الخيال خِدنًا. أن تستدرج القارئ نحو منحدر لن يقدر على بعده هبوطه التراجع. فأنت ستخرج لا محالة عقب كل قصة تخص هذا الكاتب بشعور عجيب لا يقدر عقلك على تفسيره. الرهبة من المجهول, التشبث بالحياة تلك التى تعرفها خشية الولوج في الغير معلوم و ال “غير أرضي”, النظرة الحائرة لغلاف الكتاب ذلك الذي عقدت العزم على عدم الاكتفاء من أعمال صاحبه الفريدة. العمل الأدبي يُقاس نجاحه بمدى تأثيره في تصنيفه الفني. مدى كون الرعب حاضرًا فيه بشكل حديث و مختلف. فلهذا راق لي ذلك الكاتب.