وطـن يشـتعـل منـذ سنوات وتأكل نـاره أبـنـاءه، مـا الـذي حـدا بهـذا الـزائـر ليتمسـك بـه أكـثـر مـن سـكانه؟ خمسـة عشـرة عامـا مـرت عـلـى محسـن مـدرس اللغة العربيـة بالجزائر، هـرب خلالهـم كل ضيـوف هـذا البلـد والكثيـر مـن مواطنيـه مـع بـدايـة العشرية السوداء، حـتـى زوجـتـه تركتـه
يرجع وحده للنار. بيـن باهيـة التـي هـربـت بابنتهـا الصغيـرة إلـى بلجيكا، وزوجهـا صـالـح السكير الـذي بقـى مـع ابنتيه فاطيمـا ولمياء، وبيـن ذلـك المراسـل المجهول الذي دأب على كتابة اعترافاته المخيفة لمحسـن فـي رسائل لا تحمـل عنـوانـا أو توقيـع، وفريـال، الأمازيغيـة البريئـة الـتـي حمـلـت فـوق كاهلها مراثي قومها حتى قتلت، وقـت كان القتل إجـراء يوميا لا يلفت الأنظار، رحاة كبيرة عركت البلاد لسنوات بين فكيها.
حقبـة حزينـة مـن بـلـد المليون شهيد، ووطـن تكالـب عليـه الطامعـون لخيراتـه غـاضيـن الـطـرف عـن الضحايـا الذيـن يتساقطون. وطـن تضافـر بداخله حكايات صغيرة لتخرج ملحمة الأحياء والأموات من باب الزوار. فاشهدوا اشهدوا.. ليبقى الحـال عـلـى مـا هـو علـيـه لـكل الأطراف سـواء الذيـن ارتضـوا البقـاء فـي الجـزائـر حـتـى ولـو كـانـوا مـن غيـر أهلهـا، أو مـن فـارقـوا الجزائـر واخـتـاروا عيشـة المنـافـي مـن أجـل اللاغايـة. وهـذه هـي المفارقة التي تقدمهـا الـروايـة، مـن خـلال شخوصها الممزقيـن بنـار الصراع الداخلية النفسية والخارجية مع إشكاليات الواقع من جهة أخرى. الأزلـي بيـن الأرض والمستعمر مـن جهـة، وبيـن الشخوص وحروبهـم