“مـا عـادت الفصـول تحـتـرم مواعيدهـا فـي هـذه المدينـة, أسـمع البـاب يفتح ما زال أمام الصيف أسبوعان قبـل أن يلملم صفاء نهاراته المشمسة ويتسلم إذن الصرافـه الرسمي مـن الخريف، وهاهـي ذي السماء تشـرع أبوابهـا كـمـالـم تفعـل شـتاء، ارتبكت بوصلة المناخ فـي هـذه المدينة التعيسة، الإسفلت أسـود قائم الشواد ومبتل، ولا نجوم في السماء..”.
فـي اليـل طنجـة”، يخـوض الروائي المغربي “محمد سعيد احجيـوج” مغامـرة تجريبية متعـددة المناحـي، فهـو إذ يستقرئ مدينـة مرتبكـة فـي بحثهـا عـن هوية، يخلـق أشخاصا يصلح كل منهـم لأن يكون لافتة لاغترابهـا مـن حـميـدة لجـواد، ومـن كـريـم لإدريس، بـل إن شـخوضا مثـل فـرائـز كـافـكا وإسحاق نيوتن لن تعدم لنفسها مكانا في الواقع الروائي.
مرض وفقـد، هـجـرات مـوارة تبــد سـكون الإقامـة، أنقاض تاريـخ تـعـالـق رمـاد الحاضر، ورحيـل لا يتوقـف فـي المكان والزمـن: هكذا تتشكل “ليل طنجة” مثل جـرح سـردي فـي جـسـد مـدينـة تبحـث عـن بعـث بيـن حـروب الواقـع ومـعـارك الذهـن الـتـي يعـجـز عـن إخمادهـا بحـز ومحيـط تـطـل عليهما “طنجـة” كانهـا تشرف على صحراء.
فـي الـقـلـب مـن هـذا كـلـه، ثمة رؤية “ميتاسردية”، تؤاخـي بيـن الإيهام وتحطيم الإيهام، ولا تمـل زعزعة استقرار الحكايـة بتدخلات المؤلف الواعيـة كـي يناقـش الـفـعـل الـروائـي نفسـه فـي نـص ذاتـي الانعكاس، مجترئـا عـلـى الـرج بالنظري والنقـدي فـي لحـم الحكائي.. ولنجـد الفسـنـا فـي الأخيـر أمـام “توفين” ثرية، حد أنها تبدو “ألف رواية ورواية”.