هناك فرق بين أن يكتب الإنسان مذكرات وهو هانئ العيش مرتشفا لثمار حياته, وبين أن يكتبها تحت تهديد أو بين جدران معتقل أو سجن أو ماشابه ذلك, هذا الفارق يزداد اتساعا إذا ماكان هذا الانسان فى يوم من الأيام ملكا وحاكما لشعب ومملكة, ثم يكتب بعدها سيرة أو ذكريات من حياته وقد انتهى به المطاف سجينا أو نزيلا فى "مستشفى المجانين", ممنوعا من الكتابة ومن الخروج ومن الكلام إلا لسكرتيره "السجين" مثله, هذا الفارق هو الذى يجعل هذا الكتاب فريدا قيما يسوقه لنا. فمذكرات الملك طلال كتبها وسطرها, وهو منفى بعيدا عن الأردن, وسجينا بأمر العائلة المالكة فى غرفة بمستشفى الأمراض العقلية, سطر بها أياما قاسية وحالكة قضاها بين مصر وتركيا, قضاها بجسده فى غرفته وروحه معلقة بأمل يمتد خارج أسوارها وخارج المسموح له والممكن عنده أمل فى العود مهما طال فراق الوطن, وقد جاءت المذكرات على لسانه مرورا بقلم سكرتيره مهربة إلى العالم الذى يتوق للحقيقة.
فالمذكرات على قدر ماتحمل من مشاعر عميقة تتعدد بين أبوة محطمة وكرامة تلملم أشلائها ومشاعر إنسانية سامية نشأت وتوطدت بين "الملك طلال" وسكرتيره "صبحى طوقان" ومشاعر ملك لم يعد ملكا بل لم يصبح إنسانا مالكا لحياته حتى, تحمل أسرارا وأحداثا غاية فى الأهمية حيث تعد شاهدا حقيقيا على فترة هامة من حياة الأمة العربية وواحدة من بلادها, فالملك يبدأ المذكرات من اليوم الذى وقع فيه تنازلة عن العرش, وحتى آخر يوم فارقه فيه سكرتيره المخلص, تاركا إياه لمصيره وباحثا عن بارقة أمل أو نافذة يخبر عبرها العالم بالقصة الحقيقية للملك طلال, كذلك التفاصيل الكثيرة التى تحملها تبوح لنا بأسرار القصور ومايدور فى ثناياها, إضافة إلى ما نقرأه بين السطور, ففى هذه الأيام عاش "الملك" وحيدا ولكن مستمعا لكل ما يدور حوله وخارج أسوار سجنه, محتكا بأفراد من الشعب بالإضافة إلى الكثير من الشخصيات الرفيعة المستوى المتحكمة فى أمور حياته بحكم كونه "ملكا" حتى ولو كان "سابقا" أو كما يدعون "مريضا عقليا"
إنها صفحات غنية دسمة لن تخرج منها خالى الوفاض أبدا, ولكن حتما ستخرج عالما للكثير من الأمور, وحاملا لكثير من المشاعر, فهى لحظات بوح بالحقيقة إجتمع الملك وسكرتيرة على إعلانها وافتراقا على وعد بنشرها أمام العالم أجمع.