ترتكز هذه الدراسة التي يتضمنها هذا الكتاب على محاضرة ألقاها الدكتور إدوارد سعيد في سياق سلسلة المحاضرات والندوات التي قدمها خلال وجوده كزائر باحث في مؤسسة الدراسات الفلسطينية في شهري تموز وآب (يوليو وأغسطس) 1979. وقد تناول من خلال هذه الدراسة الإطار العام للآراء المختلفة في الولايات المتحدة بصدد القضية الفلسطينية. وينطلق إدوارد سعيد في موضوعه هذا من النظرية القائلة أن المجتمع الأميركي ينقسم إلى مجتمعين: سياسي ومدني. السياسي منه يتألف من الحكومة والجيش والأمن والبيروقراطية، ويمثل قوة إمبريالية تتبع سياسة معادية للقضايا العربية عامة وللقضية الفلسطينية على وجه الخصوص. أما المجتمع المدني فيتألف من المؤسسات الثقافة والجامعية والدينية والنقابية وما إلى ذلك، ويلعب دوراً بارزاً في توجيه السياسة الاميركية. وقوة الصهيونية كأيديولوجيا وفكر ترتكز آخر الأمر على هذا المجتمع، أكثر مما ترتكز على المجتمع السياسي، ويقول الدكتور إدوارد سعيد بأن المجتمع المدني يشهد تحولات إيجابية فيما يتعلق بحقوق الشعب الفلسطيني، وذلك في إطار التحول العام الذي طرأ عليه منذ الستينات في اتجاه الاهتمام بالعدالة وحقوق الإنسان ومعاداة الحرب الخ، ولكن الحاجة لا تزال قائمة للتصدي لمواقف سلبية ترى في الفلسطينيين إرهابيين أو ما شابه. وعليه يرى الدكتور سعيد أن المجتمع المدني، لا السياسي، هو الذي ينبغي أن يكون هدفاً للتحرك الإعلامي للنضال الفلسطيني في هذه المرحلة.
يحلل إدوارد سعيد في هذا البحث المسرح السياسي الأميركي والمجتمع الأميركي في موقفهما من القضية الفلسطينية. ويبيّن أن هناك فارقاً مهماً بين مواقف الدوائر السياسية الأميركية، وبين المواقف الأكثر انفتاحاً للمجتمع المدني تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، الأمر الذي يوجب أن يكون هذا المجتمع مجال تركيز أكبر من قبل التحرك الفلسطيني الإعلامي والسياسي.