التحـرر الاقتصـادي هـو الـشرط الضروري الأول للتحرر العقلي. إنهـا لسخرية منكـودة أن نقـول لعامـل يعود إلى منزلـه بعـد أن أضنـاه كـد آلي، ورجـل يـأوي بعـد الفـراغ مـن عمله إلى مسكن قذر لا يدخلـه النـور ولا الشمس: اشتر كتبا وثقف نفسك!
إننـا إذا استثنينا بعـض الأبطال الذين تعذبهـم فـكـرة مـا، لوجدنا أن العمـل العقـلي يقتضي شـيئا مـن الاستقلال عـن الهمـوم المادية؛ فـلا يجـوز أن نطالـب مـن يكافـح البـؤس سـاعة بعـد سـاعة أن تكـون لديـه حرية الذهـن اللازمة للدراسـة أو البحـث. وإذن فالميسرة والفـراغ يجـب أن يكونـا مكفولين، لا لبعـض النـاس بـل لـهـم جميعا. ولكـن هـذا التحـرر مـن نـير المـادة ليـس غايـة في ذاتـه، إنمـا هـو وسيلة؛ هـو الوسيلة إلى بلـوغ حـال يستطيع كل إنسـان فيهـا أن يسهم بنصيب فيما يقوم عظمة الإنسان.