القارئ لرواية "غرفة واحدة لا تكفي" لا بد له أن يتصور، أن صورة المؤلف، أي صورة "سلطان العميمي" ما هي إلا عادة تشكيل لصورة المؤلف بإعتبارها ذاتاً تلفظية متقنّعة، لا ذاتاً تصرُّ على التطابق والتماهي.
فالرواية هنا تتأسس على إستيحاء المكونات السردية لتأثيث النص بماله صلة بالتجربة الشخصية وبالمغامرة الكتابية التي تستحث القارئ في كل ما يمكن تسميته البحث عن حقيقة أو رؤية يتشارك فيها القارئ والمؤلف في عملية الفهم إلى حد ما؛ فإذا ما بدأنا بــ (مدخل) الرواية: "في غرفة صغيرة بمكان مجهول، ثمة شخص يتلصّص من ثقب الباب على شخص كان يتلصّص على شخص آخر في الغرفة المجاورة له، كانوا يتلصصون جميعاً على أشخاص آخرين دون توقف، ولا يفعلون شيئاً سوى ذلك!".
هذه الصيغة الملتبسة التي يحضر من خلالها بطل الرواية وغيره من الشخوص، تبدو مطابقة لصورة الراوي أمام ذاته بعد أن يزيج عدداً من الأقنعة والصور التي تؤشر إليه، وتتكلم بدلاً منه، عندما يلوذ هو بالصمت، ويبدأ عقله الباطني بتفسير ما يدور حوله، فالعميمي جعل من بطله الذي هو الراوي نفسه ضحية مؤامرة تبدو غير مفهومة، فيسأل نفسه صدفة أسيراً في غرفة لا يذكر من رماه فيها ولا كيف اقتيد إليها، يستقيظ من نومه ليكتشف أنه وحيداً، يلتفت يميناً؛ ليجد هاتفاً أسود على طاولة صغيرة، وإلى جانب الهاتف يجد كتاباً رمادي الغلاف بلا صورة أو تصميم، عنوانه "خيارات وحيدة" مكتوب عليه اسمه كمؤلف للكتاب، وهو لا يعرف هذا الكتاب ولم يسمع به، لا يجرؤ على تصفح الكتاب، وثمة صوت في داخله يقول له: تجاهله، ابتعد عنه.
في هذه الغرفة لا يجد الراوي سوى ثقب الباب نافذة وحيدة، تطل على غرفة أخرى يقطنها شخص يكتشف الراوي فيه أخرى له، أو شبيهه كما يقول، أو قرينه، وهذا الثقب يشغل الراوي ويجعل منه شخصاً متلصصاً، لكنه يتلصص على نفسه؛ شخص يتلصص على الآخر الذي هو ذاته، في شكله وسلوكه وملابسه وكتبه، ولا يتوانى عن تسميته بـ"الأنا" ثم يطلق عليه اسمه الحقيقي "قرواش الرابع"، فهذا الإسم – كما في الرواية – هو أولاً اسم الجد وثانياً اسم الأب وثالثاً اسم الراوي… تزداد الحيرة لدى الراوي / البطل، ولا يجد ملاذاً سوى بالكتابة، فيبدأ بإستعادة قصة جده التي تفتح له الباب واسعاً ليمعن في كتابة نص متخيل.
وهكذا ينجح الكاتب العميمي في كتابة نص رديف أو نص داخل نص معتمداً لعبة السرد المرآوي، فالراوي لا يسرد قصة جده الغرائبية إلا بحثاً عن تصور سحري أو غير واقعي يفسر له الحالة الغريبة التي يعيشها داخل الغرفة / السجن… أما النهاية التي تفشي سرّها، فتعلن أن المؤلف أغلق باب الغرفة الملاصقة لغرفته ثم عاد إلى الكتابة ليبتدع سجناً جديداً وبطلاً جديداً "أغلق المؤلف باب الغرفة الملاصقة لغرفته، ثم عاد إلى الكتابة في مخطط عمله الأدبي الجديد، دون أن ينتبه إلى تلك العين الجديدة المتلصصة عليه من ثقب باب الغرفة نفسها التي أغلق بابا قبل قليل".
هذا هو الرهان الأساس للنص المحاذي، الذي ابتدعه سلطان العميمي، ليس لتزيين النص، بل لتضمين النص مصيراً مطابقاً أو موائماً لتصميمه هو، ولا أحد غيره.