ربّما يكونُ إرسكِن كالدوِل مِن أكثرِ الكُتّاب المُبدِعين الذينَ طالهُم ظُلمٌ كبيرٌ في حياتِهِم وبعد مماتِهِم. ولأنّهُ بدأ مسيرتَهُ في الكِتابةِ وظلَّ نصيرًا للمسحوقينَ من أبناءِ جِلدتِه، لم ترحمهُ سياطُ الجلّادينَ مِن عليةِ القَوم. فوَصَمهُ جَهَلتُهُم بالخيانة، خِيانة البِيض والانحياز إلى الزّنوج، بينما وصَمَهُ مثقّفوهُم بالتّدليسِ ووصموا أعمالَهُ الأدبيَّةَ مِن رواياتٍ وقِصصٍ بالرّداءة. بيدَ أنَّ المُنصِفينَ لم يتخلّوا عنهُ وأشادوا بِهِ وما انفكّوا يحثّونَ الناسَ على قراءةِ أعمالهِ بتمعّن. تلكَ الأعمال التي حصَدَت، فيما بعدُ، جوائزَ عدّة وأجبَرَت النُقّادَ وأهلَ الأدبِ على الاعتراف بأهمّيتِها.
هذا الكِتاب، الذي يعرضُ تجربةَ كالدوِل في عالمِ الكِتابة والنَّشر من خلالِ رسائلَ مُنتقاة، هوَ بمثابةِ دليل يُمكنُ أن يهتدي بهِ – أو ببعضِ أفكارِهِ – الكُتّابُ والمُترجِمونَ والنّاشرونَ حولَ العالم. هوَ بمثابةِ درسٍ عمليٍّ لا يخصُّ شخصَ إرسكِن كالدوِل فحسب، بل سائرَ مَن هُم في ذاتِ الدّرب: درب الكِتابة الوَعِر. هوَ سيرةُ صبرٍ وكِفاح، ومُنحدرات وتِلال وسهول وجِبال، وفشلٍ يعقُبُهُ نجاح ونجاحٍ يعقُبُه فشل، هكذا على امتدادِ الدّرب. هوَ قصّةُ القِمَّة الوهميّة، التي يتخيّلُ كُلّ كاتِبٍ ومُبدعٍ أنّهُ سيصِلُ إليها ذاتَ يومٍ ويستريح إلى الأبد، ولكنّهُ يكتشِفُ – كُلّما اقتربَ أكثر – أنَّها سرابٌ أو حُلمُ يقظة أو محضُ فِكرةٍ تُشجّعُهُ على مُواصلةِ التقدُّم لا أكثر. هوَ حِكايةُ الكِتابة، تلكَ الحَسناءُ المُشتهاة رغمَ تمنُّعِها، والحُلوةُ رغمَ مرارتِها.