هيغل الاول في سياقه
“قد تبيّن لنا بخاصّةٍ أنّ نازلة التفكير عند هيغل الأوّل لم تكن في أيّ طور من تلك الأطوار ولا منقلَبٍ من تلك المنقلَبات، نازلةَ ثيولوجيا أو ” علم كلام “، فما كان تفكير هيغل الأوّل ليكون مجرّد تكرير للتكوين الثيولوجيِّ دفاعًا عن الملّة وانتصارًا لمقالاتها وآرائها في الأخلاق والممارسة بعامّة.
لقد تقرّر المشكل الهيغليُّ مذ بداياته المتلعثمةِ في نصّ توبنغن على أنّه في الأصل مشكلُ تفكيرٍ إتيقيٍّ في التشكّلات الحديثة للرّوح”…
لكنْ لو أجال الفيلسوفُ بصره كَرّتيْن في راهن الإنسانيّة الحديثة، هل من رباط إتيقيٍّ يشدّ الجزئيّ إلى الجملة الإتيقيّة أيًّا كانت، فيضمّ الفرديَّ العين إلى الكليّ الحاقّ الذي للشعب، لانْقلب البصرُ إليه خاسئًا وهو حسير، إذْ لن يظفر من ذلك إلاّ بآيات اللاإتيقيّة -die Unsittlichkeit : استبدادٌ عمليّ للذاتيّ المفرد (جعل الشأن الجمهوريّ نفسَه يُمسَخ إلى حقّ خاصّ)، وطغيانٌ سياسيّ للاسْتعباد (جعل الدولةَ تتصيّر إلى مَكَنَةِ زمٍّ ومراقبةٍ “ذاتَ لولبٍ واحد يحرّك بمفرده بقيّة الدواليب”)، وإمعانٌ في احتقار الإنسانيّة يجتمع عليه أهل السياسة واللاهوت، أي إجمالًا، تغلّبٌ للفصل المطلق صارت الحياة من جرّائه “محضَ سلبيٍّ”، بل “حياةً قاحطةً”. كذلك يقف هيغل على الخيبة الإتيقيّة للحداثة…
لكن، ما دامت الفلسفةُ من ناصية التاريخ، فإنّه ليس لها إلّا أن تزاول التفكير في راهن العالَم كما يعرُض “رماديًّا على رماديّ”، إنْ هو إلّا رماديُّ الانفصال الموجِع والتضادّ العنيف والتصيّر المجنون، سلبيّةً مطلقةً تتفعّل في صلب الراهن مطلَقَ عالَمٍ، ليس يأتي على بعض تفهُّمِها إلّا الفكر التأمّليُّ إذْ يعتصم بحبل الزمان ويتكلّم لغةَ “الديالكطيقا”.