يسير هذا البحث في إتجاه مغاير لما سار عليه الباحثون في تناول فلسفة “نتيشه”، إذ يحاول تقديم وجهة نظر جديدة إزاء موضوع الثقافة بالنسبة لنيتشه، وذلك من خلال قراءة نصوصه قراءة جديدة تسعى جاهداً للوقوف على أسباب تمرّده ضدّ عدّة أنماط ثقافية: (العقلية، المسيحية، الرومنسية…)، وتحاول استنطاق أبعاد رؤيته لثقافة المستقبل كثقافة لإصلاح الإنسانية وتحريرها من إستطانات الأوهام أو الأصنام على حدّ تعبير “نيشه”.
أسئلة كثيرة طرحها موضوع البحث، وتلخص فيما يلي: السؤال الأول: إذا كانت فلسفة “نيتشه” فلسفة حياة، فهل ثمّة علاقة بين مفهوم الثقافة وبين نظرة “نيتشه” إلى الحياة؟، السؤال الثاني: ما هو موقف “نيتشه” إزاء مختلف الأنماط الثقافية، سواءاً الفلسفية منها كالعقلية أو التراجيدية أو الرومنسية، أو حتّ الدّينية المسيحية التي تبدو حاضرة بقوّة في نصوصه؟، السؤال الثالث: وهو أهم الأسئلة التي طرحها البحث، لأنّه يعكس أصالة موضوع البحث، ألا وهو: إذا كانت فلسفة “نيتشه” تنطوي على تصوّر ما أو تحيل إل معنى معيّن للثقافة، فماهية منابع أو جذور هذه الثقافة؟ بعبارة أخرى: هل من الممكن أن تحدّد الملامح التي استقى منها “نيتشه” بثقافة المستقبل؟.
كل هذه الأسئلة سيحاول المؤلف الإجابة عليها متبعاً المنهج التحليلي التأويلي مستعيناً بالمقولات الفلسفية المهمّة والحاضرة في أغلب نصوصه كالتراجيديا، الحقيقة، إرادة القوة، الإنسان الأعلى، الظهيرة الكبرى، موسيقى الجنوب… وتاويلها تأويلاً يتماشى مع طبيعة الأسئلة التي طرحت.