نشرت هذه المقالات في صحف عديدة، ويرى الكاتب أن الحضارة العربية الإسلامية لم تزدهر إلا في الفترات التي فسحت فيها المجال للنقاش وجعلت المناظرات من الأحداث المهمة التي يشرف عليها الخلفاء والأمراء. ولما دخلت الحضارة مرحلة الانحطاط، غابت مجالس المناظرة وتقلصت هوامش المجادلة وانتشر الترديد والتقليد.يقول المؤلف:”لا يستقيم المجتمع إلا بتطور الرأي العام، ولا مجال لهذا التطور إلا بفتح فضاء الحوار حراً للراغبين في المساهمة في نحت المصير الجمعي. على أن عقوداً من الاحتكار تمجيداً للزعامة أو تلقيناً لأيديولوجيا الثورة قد خنقت روح المبادرة العفوية للحوار والمساهمة الطوعية في الشأن العام، فانتشر التطرف أو اللامبالاة ردين متعادلين على مأزق واحد عنوانه فرض النمطية ومنع حرية التعبير”.
“على أن أقسى استلاب هو ذاك الذي يفرضه الفكر على نفسه بنفسه عندما يفقد القدرة على الحركة خارج السائد من الآراء والمقولات والأطروحات. إن استفاقتنا اليوم على وقع عالم حولنا ينهار ويبنى من جديد لهي من صنف استفاقة أجدادنا على وقع البوارج الغربية تلك الموانئ العربية. إنها استفاقة مؤلمة لأن الوعي يظل يلهث وراء أحداث تتعاقب وهو لم يستعد لها ولم يتوقعها، وما ذلك إلا لكونه قد غيب عن متابعة العالم حوله إلا من منظور خطاب مغلق مغالط. ولم يعد كافياً اليوم أن تفتح الصحف لتنشر الآراء والمواقف، بل الأكثر إلحاحاً أن تفتح العقول لتتقبل التفكير الجديد وترضى بالحوار وتتعود على المحاجة. ولم يعد يقتل الإبداع مصادرات الرقابة وحدها، بل الرأي العام وقد أعيته المحاصرة فاختنق وضمر وأصبح بادئ رأي وثقافة سائدة تمارس على نفسها رقابة أمر وأدهى”.