تظل الفترة التاريخية الممتدة بين نهاية العصر المملوكي وبداية العصر العثماني من أكثر فترات مصر غموضًا؛ لقلة المؤلفات التاريخية التي وصلت إلينا، ومن هذه المؤلفات القليلة ذات القيمة التاريخية الكبيرة كتاب “منهل الظرافة بذيل مورد اللطافة.. في مَن ولي السلطنة والخلافة” لجار الله محمد بن عبد العزيز ابن فهد المكي”ت954هـ / 1548م)
وتكمن أهمية هذا الكتاب في عدة أسباب:
– أورد رؤية جار الله التأريخية للحوادث التي تلت وفاة السُّلطان الأشرف قايتباي سنة901هـ/1496م، وعهد السُّلطان الأشرف قانصوه الغَوْرِي ومآثره العُمرانية في مصر والحجاز، ووصفه لحوادث الصدام بين دولة المماليك والدولة العُثمانية، وهي رؤية مفقودة من كتابه “نيل المُنى” الذي وصلنا منه قطعة تبدأ بشهر ذي الحجة سنة 923هـ/ديسمبر1517م، وقد أفرد لها رسالة لم تصلنا حتى اليوم، هي “بلوغ الأرب في تملُّك السُّلطان سليم خان لأرض العجم والعرب”، لكنه أفاض في ذكر حوادث الصدام في كتابه “الجواهر الحسان”، وكُلٍّ منهُما يُتمِّم الآخر.
– أحد آثار جار الله ابن فهد التاريخية، واستكمالًا لسلسلة التأليف التاريخي في أخبار الخُلفاء والسلاطين بمصر.
– يمثل صورة من صور التواصل الثقافي بين البلدان العربية، ويُظهر جانبًا من تأثير الثقافة التاريخية المصرية على الثقافة الحجازية آنذاك.
– أورد معلومات جديدة تظهر لأول مرَّة عن الخليفة العبَّاسي بمصر المُستمسِك بالله يعقوب (ت:927هـ/1521م)، وولده المُتوكِّل على الله محمد (ت:950هـ/1544م).
– اعتمد على أحد المصادر المفقودة حتى اليوم، وهو كتاب “الإعلام بأعيان دولة الإسلام” لمؤرِّخ القُدس مُجير الدين العُليمي(ت:927هـ/1521م)، والغير منشورة كذيل “الإشارة” للبهاء الباعوني، فضلًا أنَّ بعض النُّقول من المصادر المطبوعة فيها اختلاف بالزيادة والنُّقصان والتصحيف والتحريف مثل “الضوء اللامع” للسخاوي(ت:902هـ/1497م)، وذيل الأُنس الجليل للعُليمي.
ويعد كتاب “منهل الظرافة بذيل مورد اللطافة في من ولي السلطة والخلافة” لجار الله محمد بن عبد العزيز ابن فهد المكي، أحد انعكاسات مدرسة التاريخ المصري والتي ازدهرت في العصر الوسيط، فمؤلف كتاب منهل الظرافة، يحاكي منهجيًا بعضا من الكتابات التاريخية لكتاب عظام مثل جمال الدين يوسف بن تغري بردي المنوفي (ت: ٨٧٤هـ / ١٤٦٩م)، وعبد الباسط الحنفي وابن دقماق وغيرهم من أعلام التاريخ المصري.