في هذا الديوان تنفتح الكتابة لدى “سعدية مفرح” على مروحة واسعة من الموضوعات المتعلقة بالصداقة والحب والزمن والصمت والمنزل والفقدان وغيرها. كما يبدو جلياً نزوع الشاعرة نحو المقاربات التأملية للظواهر التي ترصدها والحالات التي تعيشها، وهو ما يتضح أكثر في قصيدة “غيابات مأهولة بالموت” حيث ينتقل الموت من إطاره البيولوجي والوجودي المعروف إلى إطاره البسيكولوجي المتمثل في الفجوات الفاصلة بين الإنسان والموجودات أو داخل الموجودات نفسها أو من خلال الشعور الذي يولده الضجر والوحشة وعزلة الكائن البشري ورجوعه إلى ذاتيته الخاصة.
تقول الشاعرة في “غياب مشترك” .. نرحل ممتنين لطول الطريق ووحشته الإضافية / نغني قبل الوصول النهائي أغاني البقاء الذليل / في البيوت التي لا أبواب لها ولا نوافذ ولا حدائق ولا حتى عناوين واضحة / نرحل إذن لا نلوي سوى على / غصة موزعة بغير عدل بيننا / وبين الذين بقوا … “.
هي قصائد حزينة لا يكاد الحزن يخرج من قصيدة حتى يعود في أخرى، حيث يتوحد الزمان والمكان كثيراً في هيئة الحزن، وتبقى الصورة الأخرى التي لم تفصح عنها سعدية مفرح مخبأة في الصندوق الأسود في خليج العرب ” لماذا … حين نظن أننا وصلنا نكتشف أننا لم نصل؟ / وحين ندلي أقدامنا بنداوة الماء نحو خليج عميق نكتشف أنه مجرد سراب كالح يمد لنا ألسنة ظامئة لها عرض الصحراء / الحزينة ويضحك على شغفنا المكدوح؟ / لماذا …”.
ينقسم الديوان إلى خمسة مجموعات شعرية هي: 1- غيابات مأهولة بالموت، 2- يطيرون .. يمنحوننا خضرتهم، 3- يمتلىء الجسد بما يغادره، 4- كأس مكسورة للآخرين، 5- ضفائر دهشة … صمتها أنا.
للصمت لذة، بل إن الصمت لذة! لن تستطيع اكتشافها إلا إذا جربت أن تجلس ضيفاً ذات صباح معتاد موشى بالرزانة والوقار مستمعاً لاعترافات، تمطرك دهشة، وتدهشك مطراً، ثم تذيب آخر طبقات الجليد الشفيف الذي تراكم منذ بدء البدء في قاع قاعك الخجول!