لعل طه حسين هو أول من أثار قضية الشك بأدب الجاهلية منطلق من ذلك من الشك بالنصوص غير العربية، حيث أشار في كتابه من الأدب الجاهلي إلى أن النحل ليس مقصوراً على العرب، وقارن بين أدب الأمتين اليونانية والرومانية من جهة وأدب الأمة العربية من جهة أخرى، من حيث التحضر بعد بداوة، ومن حيث تجاوز الموطن والإغارة على البلاد والأخرى، ومن حيث ترك اليونان فلسفة وأدباً، والرومان تشريعاً ونظاماً، والعرب أدباً وعلماً وديناً، ومن حيث نحل الشعر الأمتين اليونانية والرومانية قبل نحله في الأمة العربية، حتى كان العصر الحديث فاستطاع النقاد “أن يردوا الأشياء إلى أصولها”. وقد انتهى طه حسين إلى التساؤل عما بقي بعد هذا النقد من اعتقاد القدماء في شأن الإلياذة والأوديسة وهوميروس وهيزبردوس وغيرهما من شعراء القصة، ممهداً لتساؤل ضمني هو: ماذا بقي من اعتقاد العرب في شأن الشعر الجاهلي بعد نقد روايته.
وأثار كتاب طه حسين تلك الضجة المعروفة، وكتب حول هذه القضية منذ ذلك الحين الكثيرون، وما زال البحث في هذه القضية مستمراً، ولا يكاد أستاذ يدرس العصر الجاهلي الا ويتناوله ناقلاً أو محاولاً التجديد. ويقول المؤلف بأنه ما زال في الإمكان إضافة شيء جديد في قضية الشك في الأدب الجاهلي، لا سيما على مستوى إشكاليتين اللغة والدين، وكذلك على مستوى أسباب التزييف. فكان كتابه هذا الذي تناول هاتين الإشكاليتين. وذلك ضمن قسمين. القسم الأول يتناول أسباب الشك بالآداب القديمة عامة والعربية خاصة. والقسم الثاني يتناول أنواع ومظاهر ما سماه الزيف، ويعني به ضروب الوضع والنحل جميعاً، ومنها التحريف والتصحيف، ويتناول أسباب التزييف المختلفة: المهنية والدينية والعصبية والنفسية الاجتماعية والعلمية والفنية. وذلك سمح له بالخروج بنتائج جديدة جاءت في نهاية البحث.
إنه قراءة جديدة لقضية شغلت ولا تزال تشغل الباحثين والمهتمين بالأدب العربي، هي قضية الشك بالأدب الجاهلي. وقد طرح فيها التساؤل عن بعض المسلمات: هل وجود معانٍ أو عبارات قرآنية في نص جاهلي يعني بالضرورة أنه منحول؟ وهل مقولة أبي عمرو بن العلاء في الفرق بين لغتي الشمال والجنوب مسلّمة؟ وهل صحيح أن تخلف الموسيقى الجاهلية يفترض تخلفاً في الشعر وموسيقاه وتاريخه؟ وقد حاولت هذه القراءة أن تمتاز، فوق ذلك، باعتماد مصادر جديدة وطريقة دراسة مختلفة، والتوسع في تناول النثر الجاهلي، ومنح دراسات المستشرقين ما تستحقه من عناية لم تنلها، من غير التحيز لهم أو عليهم.
وقد شملت الدراسة قسمين ونتاجاً، القسم الأول: يتناول أسباب الشك بالآداب القديمة عامة والعربية خاصة، والقسم الثاني: يتناول أنواع ومظاهر ما سماه المؤلف الزيف، كما تناول أسباب التزييف المهنية والدينية والعصبية والنفسية والاجتماعية والعلمية والفنية. أما النتاج فقد أجمل كل ما بلغته الدراسة من نتائج.