هناك معلومة مهمة يحتاج كل من يرغب في تعلم أن يكون أكثر تأثيرًا إلى معرفتها: يصبح أفضل المقنعين كذلك من خلال الإقناع المسبق – أي عملية جعل المتلقين متجاوبين مع الرسالة قبل أن تصلهم. ولكي تقنع الآخرين بالشكل الأمثل، فمن الضروري أن تقنعهم بشكل مسبق على أفضل نحو. ولكن كيف؟
جزئيًّا، تتضمن الإجابة مبدأ مهمًّا، لكنه لا يحظى بالتقدير الكافي لكل أنواع التواصل: ما نقدمه أولًا يغيرًا من الطريقة التي يستقبل بها الأشخاص ما نقدمه لهم بعد ذلك. فكر في كيف أن تغييرًا إجرائيًّا بسيطًا قد رفع الحد الأدنى للعمل الاستشاري الخاص بزميل لي مقيم في تورونتو. لسنوات، عند الاتفاق على مشروع كبير، كان من المعتاد أن يواجه اعتراضًا من العميل على السعر، حيث يقترح سعرًا أقل بنسبة ١٠ أو ١٥٪. كان ذلك محبطًا، على حد قوله؛ لأنه لم يشعر قط بالارتياح من مضاعفة حجم الميزانية للتغطية على مثل هذا النوع من الرفض المحتمل للتكلفة. وإذا وافق على خفض التكلفة، أصبح هامش الربح ضئيلًا جدًّا لدرجة أنه يكاد يغطي تكلفة العمل. وإذا لم يوافق، فإنه يخسر إما الصفقة أو الشركاء الناشئين الذين كانوا غير راضين في الأصل؛ لأنه لم يكن مستعدًّا لتغيير السعر.
وبعدئذ، خلال اجتماع لتقديم أحد العروض، توصل بالمصادفة إلى حيلة خلصته من هذه المشكلة إلى الأبد، والتي لم تكن محاولة تدريجية لتحديد أو تبرير كل النفقات المتضمنة في خدماته؛ فقد تخلى عن تلك الطريقة منذ زمن بعيد، والتي لم يكن ينجم عنها سوى فحص دقيق لكشف الحساب. بدلًا من ذلك، بعد تقديم عرضه النموذجي وقبل الإعلان مباشرة عن أجره (البالغ ٧٥٠٠٠ دولار)، قال مازحًا: “كما يمكنك أن تخمن، لا يمكنني أن أطلب منك مليون دولار نظير تلك الخدمة”. فراجع العميل العرض المكتوب الذي كان يدرسه وقال: “حسنًا، يمكنني الموافقة على ذلك!”، ومضى الاجتماع دون إشارة لاحقة للأجر وانتهى بتوقيع العقد. يدعي زميلي أن أسلوب ذكر التكلفة غير الواقعية لا يجعلك تفوز بالصفقة دائمًا – وذلك يتضمن عوامل أخرى كثيرة جدًّا – لكنه دائمًا ما يمنع وجود اعتراضات على التكلفة.
ورغم أنه توصل إلى ذلك عن طريق المصادفة، فإن صديقي ليس الوحيد الذي يختبر التأثيرات الملحوظة لطرح مبالغ كبيرة، واستقرارها نتيجة لذلك في أذهان الآخرين. وقد وجد الباحثون أن المبلغ الذي ذكر الأشخاص أنهم على استعداد لإنفاقه على وجبة العشاء ارتفع عندما كان اسم المطعم أستوديو ٩٧، مقارنة باسم أستوديو ١٧؛ وأن السعر الذي كان سيدفعه الأشخاص مقابل علبة من الشيوكولاتة البلجيكية ارتفع بعد أن طُلب منهم رقمان كبيران (مقابل رقمين صغيرين) من أرقام الضمان الاجتماعي الخاصة بهم؛ وأن المشاركين في دراسة حول أداء العمل توقعوا أن يزيد جهدهم وإنتاجهم عندما علموا أن اسمها هو التجربة الـ ٢٧ (مقارنة بالتجربة الـ ٩)؛ وأن تقدير المراقبين لأداء اللاعب يزداد إذا ارتدى قميصًا مطبوعًا عليه رقمًا كبيرًا (مقابل رقم صغير).