دراسة جميلة لشخصيّة عمر ، فالكاتب العبقريّ ، حلّل شخصية ابن الخطّاب معتمداً على طفولته و هي من أهمّ مراحل الإنسان في تكوينه النفسيّ ، و يبدأ بعدها بسرد الأحداث الّتي تصف هذا التكوين ، من الأخلقيّات الّتي تتوّج بالعدل ، إلى النفسيّة الّتي توّجت بالثبات و القوّة . ومن هنا يكتشف العقّاد أنّ عمر الجاهلي هو نفسه عمر الإسلاميّ ، بالتكوين النفسي و الأخلاقيّ ، لكن نظرته للوجود تغيّرت ، فعداءه للإسلام أوّل ما ظهر لأنّه ظنّه عدوّاً يهدّد بيئته و قومه فحاربه ليدافع عن عقيدته ، هذا الدفاع عن العقيدة بالنسبة للعقّاد نفسه دفاع عمر عن العقيدة الإسلاميّة ، لكنّ الإختلاف بالعقيدة ذاتها ! بينما العقيدةالجاهليّة كوّنته جنديّ عظيماً و مقدام ، كوّنته العقيدةالإسلاميّة بطل تاريخي ، يمثّل طور تاريخيّ للإنسانيّة !
أجمل النتائج الّتي توصّل لها الكاتب ، الفارق بين محمّد عليه السلام ، و ابن الخطّاب : فالأول إنسان عظيم أمّا الثاني فهو رجل عظيم ، و الفرق بيّن بينمها ، فالرسول كان يمثّل الإنسان بإنثويته و رجوليته ، بعاطفته و عقلانيتة ، أمّا عمر فهو الجنديّ الشديد ، الرجل الّذي استصغر ابنه لأنّه عجر عن تطليق أمرأته !
أيضاً ، يوضّح الكاتب بذكاءٍ هذه الشخصيّة بتركيباتها المعقدة ، هذه الشخصية الّتي توازن بين العدل و القوّة ، و القسوة و الرحمة ؛ فلا عجب إذن أن يكون الصدّيق الرقيق أجرأ من عمر بإتخاذ قرار الحرب !