يدرس الكتاب دائرة عمل الدين في المجتمعات البشرية، فالدين “حركة” تحرر تقوم على يد نبي يناصره حواريوه، فيقاومها المنتفعون من الذهنية البديهية القديمة القارة، بينما يؤمن بها من يريدون التغيير. ثم يأتي التغيير على يد النبي في شكل معرفة تجريبية تزعزع اليقينيات الساذجة في المجتمع الذي تستهدفه النبوة، مع ما تبثه الرسالة الجديدة من دعوة للمعرفة المنطقية، وتؤكد عليه من وجوب حفظ النص الديني والعمل عليه، كأداة منطقية يجب أن تؤثر في كل مناحي الحياة. لكن ما يحدث بعد زمن النبي وبعد زمن حوارييه، هو تحوّل تدريجي من الاستعمال الديني القيمي المؤثر في حياة المجتمع عامة وفي حياة الأفراد خاصة، إلى استخدام للنص الديني المأثور عن النبي، فتتحول عملية شرح وتفسير وتأويل النص إلى شكل من أشكال الاستخدام الذي يوظف الدين لخدمة السلطة. ومع مرور الوقت وتعاقب الأجيال، وكثرة الشروحات والتأويلات وما ينشأ عنها من صيغ متعددة، وربما متضادة للفقه والتشريعات تعود المجتمعات إلى نقطة الصفر التي كان النبي قد جاء لتغييرها.
صناعة الكهنوت – حامد بن عقيل