يقارن كتاب/ رواية “حبل سرّي”، للروائية مها حسن، بين حضارتين: الأولى غربية، تتمتع فيها بالحرية، وبكل أشكالها: من فلتان وتحرّر روحي وجسدي. والثانية: حضارة وطنية.
تبدأ مها حسن الرواية: “رغم انتقاد الجميع لسرعة حركتها وتنقلها وقيادتها، تصرّ على القيادة بأقصى سرعة، متسابقة مع الريح، وكأنها حصان سيطير بالسيارة إلى ملكوت آخر”. وتقود ” صوفي بيران”، وهو الاسم الذي اختارته إلى منتصف الرواية، سيارتها البيجو، كحلية اللون، وهي تمضغ شطيرة الجامبون، وتستمع إلى موسيقى ” جوان حاجو “، وتهتز خلف المقود بحركات رجل أرعن.
وفي رحلتها هذه، لم تحمل سوى حقيبة الظهر الصغيرة، التي تنتقل بها من مدينة إلى أخرى، وترافقها مع محتوياتها في جميع الفنادق، منها: بعض الكاسيتات الموسيقية ” سيرج غينسبورغ، برتراند كونتد، تري يان، فيروز، كتاب آلان، كتاب كونديرا ” فن الرواية ” بالنسخة الفرنسية، مسبحة خضراء، لا يعرف أحد من أين جاءت بها، عطرها المفضل “شانيل “.
وتضع المؤلفة بطلتها في غمار رحلة تبدو وكأنها البحث الدائم عن الموت. إذ إنها لا تهدأ في التنقل من مكان إلى آخر.
وكل ما فعلته مها حسن في روايتها، كل حديث، كل فعل، يشدها إلى الموت رغم هروبها منه، وانشغالها بأشياء تافهة كي تبرر وجودها. إنها تكتب كل شيء يمر عليها في يومها، منذ استيقاظها، وهي مثقلة الرأس، إلى اللحظة التي تعود فيها إلى البيت، وهي لا تدري من هي، وخلال ذلك تمرّ بذاكرتها على الأهل والأصحاب والأحبة، وما جرى لهم، أو ماذا يفعلون في بلدها الأم.
إنها تعيش مع روائي حداثي، وهو يعيش مع كلبته يتمشّى معها على ضفاف السين في تمام الساعة السابعة من كل يوم، ويسميها “روزيت”. بينما هي تبحث عن الموت الذي سرقها من بيتها، من رجالها، من أهلها، من دراستها، من فنها، من ذاتها.
ونجد أن ” صوفي” تموت في حادث سيّارة، لتنبعث فيها ابنتها ” باولا”. ولم تلاقِ صوفي حتفها إلا أنها ماتت لاحقاً، بعد وضع باولا، ماتت وذهبت إلى الموت باختيارها، بعد أن اطمأنت إلى أنها وضعت بذرة جديدة في الحياة، ستتابع العيش من داخلها. وتكبر الصغيرة ” باولا” وتقرر العودة إلى الوطن، إلى المكان الذي عاشت فيه أمها.
وتلقى كل شيء على ما تركته الأم. وهنا يأخذ الناس بسؤالها عن نظرة الشارع الفرنسي الى العالم العربي، وعن موقف الثقافة الفرنسية التقليدية من الثقافة المشرقية، وعن الإسلام وحقوق المرأة.
فتشعر باولا بالفرح. وخلال ذلك تعرض المؤلفة في روايتها، الأخطاء التي تمارس في مجتمعها حول قضايا تمسّ الشرف والأخلاق، وتعلم البنت في أوروبا، وما إلى ذلك، ثم تذهب إلى مقهى ” السياحي” فترى مثقفي السلطة، وأغلبهم ينتمون إلى اتحاد الكتاب، كما تقول، إضافة إلى صحافيين رسميين ينظرون بعين التشكك والتعالي إلى المثقفين الآخرين المستقلين أو المعارضين.