كان التوحيد أُسَّ مذهب المتعزلة، ويعني عندهم تنزيه الذات الإلهية عن التشبيه والشكل واللون والرائحة والحركة والسكون، وكافحوا من أجل الحرية، وخاضوا بحور الفلسفة، وخرجوا منها باللآلئ العقلية التي إزدان بها عنق الفكر الإسلامي، فحملهم الناس على الأعناق، وهتفوا بأسمائهم، تقديراً وإحتراماً.
ولما جاء عصر المأمون أيام العباسيين الذي كان يميل إلى العقل والفلسفة قَرَّبَ المعتزلة إليه، واشترك في إقناع الجماهير الإسلامية بأفكارهم الدينية، ووقف معهم لنشر آرائهم، حتى أصبحت الدولة العباسية في عصر المأمون مع المعتزلة، وأمر المأمون ولاته في الأمصار بأن يحملوا العلماء والفقهاء والمسلمين على إعتناق المذهب الديني للمعتزلة…
واعتبر المعتزلة أنفسهم في عهد المأمون الناطقين بإسم الحكومة العباسية في الأمور الدينية، ولم يستريحوا حتى جعلوا مذهبهم هو مذهب الحكومة العباسية واعتبروا كل معارض لمذهبهم عدو لا يستحق الحياة بعد أن كانوا من أكبر أنصار الحرية والعقل.
ولم يخطر على بالهم أن دوام الحال من المحال، وأن الجلد والسجون سوف يكون مصير من كان يستعين بهما لفرض رأيه الديني ويذوق الآلام التي كان يذيقها للآخرين، ولأن من سنن الحياة تبادل الأدوار والمناصب والقوة، فإن مصير الفكر الديني المتمرد على الإسلام السمح إلى زوال بشرط أن نقوم بواجبنا في رفع مشاعل النور في طريق المسلمين لكي تجنبهم العثرات ونقودهم إلى حياة حرة كريمة في ظلال الحب والسلام والأمان…