«وإذا نظَرنا إلى الصور الإيجابية للترجمة باعتبارها إطلاقًا للطاقات، وتحريرًا للعلامة اللُّغوية حتى تدور دورتها، ونقلًا للبذور إلى تربةٍ أخرى، وإعادةَ إزهارٍ للنبات في لغةٍ قادرة على ذلك؛ وجدنا أنها تبتعد ابتعادًا شديدًا عن السلبية التي يقول بها فروست ودُعاةُ استحالة الترجمة.»
كان المترجمون يمثِّلون دائمًا حلقةَ اتصالٍ حيوية تتيح للثقافات المختلفة أن تَتفاعل فيما بينها؛ ومن ثَم فإن دراسةَ الترجمة نفسها دراسةٌ للتفاعُل الثقافي. وقد كرَّس الباحثان «سوزان باسنيت» و«أندريه ليفيفير» مشروعَهما الأكاديمي للتفكير في الترجمة والكتابة عنها، والبحثِ في تاريخها، وتوسيعِ حدودِ تعريف مجال دراسات الترجمة، وضرورة التقريب بينها وبين الدراسات الثقافية. وقد جاء هذا الكتاب ليعبِّر عن مشروعهما بالتحليل والتفصيل والرصد للعناصر اللُّغوية والأدبية والثقافية لدراسات الترجمة، والتطوُّرات التي شَهِدها هذا المجال، مع ذِكر بعض النصوص المترجَمة التي تُعَد أوضحَ البيانات العملية اللازمة لدراسة مدى التفاعل الثقافي، والتأثير الذي تُحدِثه ترجمةٌ ما في ثقافةٍ من الثقافات، وكيفية إخضاع النص للثقافة القومية، وكيف يصبح المترجمون مساهمين في أبنيةٍ ثقافية معيَّنة، ومسئولين عن تكريسِ قيمٍ ثقافية على حسابِ قيمٍ أخرى.