ليس الحديث في سؤال العلمانية في الفكر العربي المعاصر من جنس القول العابر والمؤقت والمرتحل، ينتهي بمجرد إنفراط عقد من يطوفون حوله، أو هو من “فتنة الهوى”، يشغلنا لبرهة زمنية فنفتتن بحديثه وراهينته، ونجد فيه فسحة كلامية لنعبر عن مشاغلنا وهمومنا اليومية ومخاوفنا من المستقبل، وحتى في أنفسنا الهائمة في مسار تاريخي جارف يجري إلى مستقر تخومه حديث النهايات، حيث تنعي الذات البشرية ونبشرها بمنتهاها الحتمي.
إنما نحن نريد لهذا السؤال أن يكون فاتحةً لعهدٍ فلسفي وفكري يحوز على ميزة الحضور الدائم في فضاء التفكر الفلسفي، وأن نهيأ أنفسنا لعهد زمني إشكالي في صميمه، نؤثثه بالمفاهيم التي هي من حسّ القاطن المستقر في مسكنه، آيته في ذلك، هذا الربو الإشتغالي بمفهوم العلمانية في الفكر العربي المعاصر، والتأليف المتزايد بمتتالية متصاعدة أثرت المكتبة العربية وأغنتها، مما يجعل منه مفهوماً حاضراً بقوة الإغناء التي هي فيه، ومدى الإثراء الذي هو عليه، ثراؤه مأتاه من تناقضه، فهو قاطن في موطنه داخل مسطح العهد ومرتحل في فضائه، ثابت على تزمته في التاريخ ومسافر من فضاء النصوص الفلسفية، واحد من جهة مفردته اللسانية ومتكثر من ناحية مدلولاته ومعانيه، وبفضل هذه التناقضات، نستطيع أن نفهم او أن نمسك بخيط معرفي يقودنا صوب الكشف عن سر الإهتمام بمفهوم العلمانية.