رسوا، وسحبوا قاربهم، ليخفوه. ثمّ أخرجوا منه طفلاً. كان ولداً في عمري. وكان مقيّداً. رفعه أحد الرّجالِ وحمله على كتفيه. أبصرتُ وجهَه. كان كالحاً كوجه خاطِفيه، ويماثلُهم شراسةً. لكن لا شيء فيه يشي بالفزع. كانت عيناه مغمضتين، وفمه مزموماً، كأنّما هو حجرٌ.
حمله الرّجالُ الأربعة معهم، واختفوا تحت الأشجار، على أنّ كلّ ذلك قد جرى منذ زمنٍ بعيدٍ، وأنا الآنَ شيخٌ مسنٌّ. لكنّني، ما طالت بي الحياةُ، لن أنسَى أبداً أيّامَ سنَّي يفاعتي، تلك التي عشتها على المياه. إنّ تلك الأيّام الجميلة حاضرةٌ في كامل طراوتها. وما رأيته يومئذٍ، ما زلت أراه إلى اليوم، وكلّما خطر ببالي، أعادني ذاكَ الطّفلَ الذي أسعدَه، لحظة استيقاظه، بهاءُ عالم المياه.