يبدو هذا الكتاب، لمن ينظر إليه من الخارج، مجموعة نصوص، إذا تكاملت من بعض الجوانب ضمن الأقسام التي وضعت فيها، فإنها متباعدة بالنظر إلى الأقسام نفسها. ولكن الأمر يختلف لمن ينظر إليه من الداخل ويتمعن في أطروحاته وآفاقه. إذ أنه يجد فيه نصوصاً تشترك ي ثلاثة أمور على الأقل: أولاً: روح الحرية، وتحديداً حرية العقل التي هي درة الحريات، ثانياً: لقد ظهرت تباعاً في أجواء محلية وإقليمية يزداد ضغطها على الحرية، ثالثاً: إنها جميعاً تطرح، بكيفية أو بأخرى، موضوع الحرية.
أما الإطار العام الذي تندرج فيه، فيكفي أن نحدد بأنه الاستراتيجية الفكرية التي يتطلبها هدف التجاوز، في التاريخ العربي، إلى عالم الحرية والعقل والإبداع. و في القسم الأول يتناول البحث جوانب جوهرية من تاريخ الفكر العربي، الوسيط والحديث، ضمن رؤية عامة بنية على مبدأ التعامل النقدي مع هذا التاريخ، لا على مجرد التفسير والقراءة التفسيرية له.
وفي القسم الثاني يتناول مشكلات لها جذور وتأثيرات مركزية في الواقع الاجتماعي والسياسي، على أساس نظرة اجتماعية نقدية تأتلف مع مبادئ الواقعية الجدلية، لا مع مبادئ الواقعية الوضعية. وفي القسم الثالث، يتناول قضايا مطروحة للنقاش في الفكر الديني والفكر العلمي، على قاعدة موقف يدعو إلى التفكير في الدين وفي العلم من دون تكفير ومن دون مذهبية علموية. وفي القسم الرابع والأخير، يتناول أسئلة لها صلة بما أسميته طريق الاستقلال الفلسفي ويطرح مفهوم النهضة العربية الثانية تشكيلاً تاريخياً من تشكيلات عالم الحرية والعقل والإبداع.