الأثنولوجيا حرفياً هي: علم دراسة الشعوب Ethnology. وهذه الكلمة تتكون من مقطعين الأول Ethno بمعنى شعب أو قوم. والثاني Logy بمعنى علم أو دراسة. تدرس الأثنولوجيا خصائص الشعوب اللغوية والثقافية والسلالية وتفسر توزعها الجغرافي نتيجة للهجرات واتصال الشعوب بعضها ببعض، وكذلك تدرس الحياة أو الجوانب المادية من الحضارة، وأشكال الحياة الاقتصادية وتنظيم المجتمع وشكل الأسرة والتنظيم العشائري والقبلي ونظام الحكم والنظم القانونية والعقائد الدينية والفنون وغير ذلك من النشاط والسلوك الحضاري. وقد أدت دراسات هذا الميدان إلى إظهار تنوعات هائلة في الأنماط الحضارية في المجتمعات المختلفة ومن ثم الإمكانات العديدة والمرونة الكبيرة في الطبيعة الإنسانية.
ولأن الحضارة كائن عضوي يستجيب لكل المؤثرات فإنها أخذت أشكالاً مختلفة عند المجتمعات المختلفة. لقد أدى تفاوت الظروف الخاصة بكل مجتمع، سواء كانت ظروفاً مكانية-بيئية أو زمانية، إلى تفاوت كبير في أنواع الحضارات وأشكالها: بعضها أخذ يتجمد لفترة طويلة، والبعض ينمو بسرعة لفترة ما، والبعض الآخر ينصهر ويذوب في حضارات متوسعة، أو يموت وينقرض.
لقد أدى كل هذا إلى أن يغطي سطح الأرض المسكون لوحة من الفسيفساء الحضارية، تحاول الحضارة الصناعية أن تغزوها كلها وتسيطر عليها منذ بداية هذا القرن هذا هو إرثنا الحضاري المالي. والآن ماذا يفعل علم الإنسان (الإنثروبولوجيا) في هذا الخضم من الناس والحضارات؟ إنه باختصار يقوم بما كان يفعله في الماضي الخاصة من الناس بتحري طبيعة الإنسان وطبيعة الحضارات. ولكن على أسس علمية منهجية.
وهذا الكتاب الذي بين أيدينا يفعل هو الآخر ما فعله الأقدمون والمحدثون. إنه محاولة لمزيد من المعدمة من الإنسان لكي يعطينا قدراً من المعلومات تساعدنا على اتخاذ المواقف الصحيحة من قضايا التغير والتطور الحضاري في عالمنا المعاصر الذي قصرت فيه المسافات إلى الحد الأدنى، وزادت فيه تفاعلات المجتمع العالمي كتمهيد لوحدة حضارية ذات أداء وسعي دؤوب إلى تناسقه وانسجامه.