"قدم البرادعي تقريره في 26 أغسطس/آب إلى مجلس الحكام في الوكالة الدولية. كان المدير العام للوكالة الدولية مقتنعاً بأن الإيرانيين يتجهون نحو تصحيح الأمور، ولذلك بذل كل ما في وسعه للتقليل من أهمية عناصر مكتشفات وكأنه الاكثر إثارة. وفي حين أشار إلى أوجه القصور العديدة لإيران، فقد استنتج البرادعي بأنه: "منذ أن رفع التقرير الأخير، أظهرت إيران درجة متزايدة من التعاون في ما يتعلق بمقدار وتفاصيل المعلومات التي قدمتها للوكالة، وفي السماح للوكالة بدخول المزيد من المواقع وأخذ عينات بيئية منها. كما أن القرار الذي اتخذته إيران ببدء المفاوضات مع الوكالة لاستكمال البروتوكول الإضافي خطوة إيجابية أيضاً. لكن ينبغي الإشارة إلى أن الحصول على المعلومات والأذن بالدخول كانا بطيئين في بعض الأحيان ومتقطعين، وكما أشرنا سابقاً تبين أن بعض المعلومات مناقضة لما سبق أن قدمته إيران. وبالإضافة إلى ذلك، وكما أشرنا سابقاً، يبقى هناك عدد من القضايا العالقة، وخصوصاً تلك المتعلقة ببرنامج التخصيب الإيراني، والتي تقتضي حلاً سريعاً. إن التعاون المستمر والمتسارع، الشفافية التامة من جانب إيران أمران ضروريان لكي تكون الوكالة في وضع يمكنها من توفير الضمانات التي طلبتها الدول الأعضاء في وقت مبكر..". خيّب تقرير البرادعي هذا آمال الولايات المتحدة التي اعتقدت بأن اكتشاف آثار اليورانيوم عالي التخصيب واليورانيوم متدني التخصيب في العينات يثبت دعواها بأن إيران تدير برنامجاً سرياً لإنتاج أسلحة نووية. أرادت الولايات المتحدة أن تحيل الملف الإيراني إلى مجلس الأمن الدولي حيث يمكن فرض عقوبات اقتصادية قاسية على إيران، أو ما هو أسوأ؛ القيام بعمل عسكري ضدها. ولكن تقرير البرادعي خلا من تلك اللغة الملتهبة الملتهبة المطلوبة للدفاع عن تلك التوصيات. بدأ صبر الولايات المتحدة ينفذ، وهو أمر عبّر عنه السفير الأميركي، كينيث بريل، في بيان رفعه إلى مجلس الحكام في الوكالة الدولية بصوتٍ عالٍ وواضح: "ادّعى البعض بأن الولايات المتحدة تسعى إلى تسييس عملية الوكالة الدولية للطاقة الذرية. لكن لا شيء يمكن أن يكون أبعد عن الحقيقة من ذلك". هكذا يروي سكوت ريتر كبير مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة في العراق حقيقة الخطط التي يعدها البيت الأبيض لتغيير النظام في إيران من خلال استهدافها وزجها في قضية برنامجها النووي. وفي هذا الكتاب يحاول ريتر الكشف على أسباب هذه الأزمة وقصة الأفراد والمنظمات المشاركة فيها ويرى أن ذلك إنما يمثل رواية مليئة بالعجرفة والشفقة والنزاهة والخداع وقصة الاستخبارات واللامبالاة والخوف من المجهول. والأهم من ذلك أنها قصة تتجاوز الأبعاد القومية بالنسبة إلى العديد من الأطراف، ونتائجها مخيفة تتجاوز الأبعاد القومية أيضاً ومضيفاً بأنه يقوم ومن خلال كتابه هذا بالكشف عن تفاصيلها ليس لأنه كان أحد المشاركين المباشرين في الأحداث التي ينشرها على هذه الصفحات؛ بل لأنه لم يكن مشاركاً فيها، وهو يعرضها من خلال وجهات نظر كمراقب واسع الاطلاع، فعلى الرغم من عدم مشاركته في عمليات التفتيش عن الأسلحة داخل إيران، فقد شارك في عدد كبير من عمليات التفتيش عن الأسلحة التي أشرفت عليها الأمم المتحدة في العراق. كما حضر اجتماعات مجلس الأمن التي ناقشت كيفية التعامل مع الوضع العراقي، وراقب الصراعات الدبلوماسية التي كانت تجري من خلف الكواليس عندما كانت الحكومات تسعى إلى التوصل إلى إجماع، وحضر اجتماعات البيت الأبيض، ووزارة الخارجية، والبنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية فيما كان يجري صياغة السياسات. إضافى إلى أنه شارك في اللقاءات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في مقرها الرئيسي في فيينا، عاصمة النمسا وفي العمليات الميدانية حيث كان يجري تنفيذ تلك السياسات. كما كان ريتر قد عايش إحباط البلد الذي استهدفته عمليات التفتيش وهو العراق مؤكداً على أنه من المحتمل أن يكون البلد الثاني هو إيران، الذي كان يتصارع مع التناقضات في أهداف السياسة الاميركية التي ترمي إلى تغيير نظامه، وهي أهداف مخبأة أسفل طبقة بعد أخرى من الالتزام المخادع بالحدّ من التسلح ونزع الأسلحة. واعتبر ريتر ما يجري في إيران في هذا الصدد إنما هو لعبة وهو على علم بغالبية لاعبيها الذين شاركوا ويشاركون في هذه اللعبة؛ سواء أكانوا دبلوماسيين من أوروبا، أم جواسيس من إسرائيل، أم مفتيش من الولايات المتحدة، مضيفاً بأنه كان قد أمضى ساعات في مناقشة مسألة إيران وبرنامجها مع هؤلاء الخبراء، وتوصل إلى استنتاج مفاده أنه إنما يشاهد التاريخ فيما يتعلق بالمسألة الإيرانية وهو يعيد نفسه، وهو مذهول بين أوجه الشبه بين الطريق الجماعية التي سلكتها الولايات المتحدة، وإسرائيل وأوروبا وروسيا والأمم المتحدة بصعوبة نحو الدخول في حرب على العراق بناءً على مزاعم خاطئة تحكي عن امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، وما يرشح بشأن إيران اليوم، حيث يبدو أن الولايات المتحدة تتعثصر على طريق الصراع نفسه، مدفوعة بأشباح برنامج الأسلحة النووية التي لم تظهر خارج إطار المبالغات وتكهنات أولئك الذين تكمن برامجهم السياسية في تغيير النظام في طهران أكثر منها في منع انتشار الأسلحة ونزعها.
منتجات ذات صلة
الكتب العربية
0.00$