“أصفهان نصف الدنيا” هو العنوان الذي اختاره صادق هدايت لرحلته إلى (أصفهان) وهو يواجه معالم المدينة وأمكنتها وأديارها وزخارفها وفنونها. ولعله في وصف هذه الرحلة أقرب إلى الفنان التشكيلي منه إلى الكاتب، فكان لا بد لضربات ريشته ولمساته وألوانه ومزاجه وتقنياته من أن تظهر على نص الرحلة.
ورحلة هدايت، ذات قيمة تاريخية وأدبية بالغة الأهمية، سواء بما تضمنت من تفاصيل دقيقة في رصد المكان والكشف عن مزاياه العمرانية والزخرفة الجمالية أو بأسلوب كاتبها الإبداعي الرقيق.
وقد أشار عدد من الباحثين في إيران إلى أهميتها التاريخية في الأرشفة الوصفية لهذه المدينة في فترة زمنية معينة، أما الكاتب فيبرر رحلته بقوله ” … منذ فترة طويلة وكل ما رأيته من صور عن هذه المدينة وما سمعته من وصف أو قرأته بصورها كمدينة عجائبية، مثل حكايات ألف ليلة وليلة، بمساجدها وقصورها ومناراتها وخزفها وفن الخط والرسم فيها، وهي مدينة تتمتع بتراث فني كبير ولها تاريخها العريق. وفي العهد الصفوي عُدت من أكبر مدن العالم ولم تفقد إلى الآن مهابتها وعظمتها كل هذا كان كافياً لتجذبني إليها، ويجب أن أعترف بأني لم أندم …”. وهكذا ينقل هدايت إلينا الجمال الذي تزخر به طبيعة الأبنية في رحلته هذه ويقوم بتسجيل ملاحظات كثيرة – بعرضها الكتاب – وبعد الرحلة مباشرة يأتي “موضوع الموت” ، الموت الذي رافق هدايت في كتاباته وحياته واهتماماته، إذ كان مسكوناً به منذ مطلع شبابه، حتى اشترى كتاب “فن الموت” ليأخذ أحد هذه الفنون وينفذه في باريس، فكان دافع الموت المتكرر في نصوصه دافعاً للمضي في الموت “انتحر هدايت في عمارة حقيرة واقعة في شامبي يونه في المنطقة الثانية عشرة في باريس اختناقاً بالغاز في (19 إبريل 1951م)”.