خرج من البحر مُبتل الدِّشْداشَة حافي القدمين، وأقبل على الرِّجال الخارجين من مسجد «السَّاير». هزَّهم مرآه بوجهه الشَّائه وعينيه الزُّجاجيتين الكبيرتين، وتهيَّب الشَّبابُ ولاذ الأطفال وراء ظهور رجالٍ قبضوا على كبريائهم ووقارهم وتماسكوا أمام غرابة شكله. تحرَّج واحدهم من إبداء خوفٍ أمام الآخر. قال الغريب لاهثًا إنه جاء يسأل عن أبيه. فسأله أحد الرجال بصوتٍ مرتجفٍ من أنت؟ فأجاب الغريب على ما اعتاد طيلة حياته في جزيرة أمسِه:
«أنا غايب بُوُدَرْياهْ».
وكأنما بقوله هذا صبَّ قطرة خَلٍّ في بيت نمل. تطاير الرِّجال والصِّبية في كل اتجاه مثل الشَّرر، ينجون بأنفسهم من وحش البحر الذي على ما تنبَّأت أُم حَدَب، يجيء ليقتل أباه ويستعيد عباءته السَّليبة.