أمل دنقل شاعر جاء بعد جيل الرواد، ظلم مرتين: مرة لأنه لم يكن من جيل الرواد، الجيل المحطوط والمستأثر بكل الشهرة والدراسة والنقد، ومرة ثانية لأن أجهزة الإعلام المصرية والعربية-آنذاك-منعت تداوله أو نشره، بحجة أنه شاعر ثوري! وما دامت الأجهزة قد منعت فإن النقاد آثروا “الصمت” وترك هذا المشاغب وشأنه، متخوفين من ردة الفعل الرسمية! أما حين رحل “أمل دنقل” فإن الأقلام هبت تكتب المراثي المطولة عن “الرجل الذي مات” وتبارى أصحابها في احتفالياتهم وكيل المديح بعيداً عن الموضوعية والعلمية، حتى أولئك الذين شتموه حباً بسبب مواقفه العربية الثورية، أو بسبب صلابته وحدته، وراحوا يكتبون المراثي، فقط لأن الجميع بدأ يكتب عن شاعر مات!
وفي هذه الدراسة حاول الدكتور “احمد الدوسري” أن يعطي أمل دنقل حقه ولا تهدف هذه الدراسة إلى مدح الشاعر أو رثيه، وإنما هدفها إعطاء أمل دنقل حقه، وإلقاء الضوء على تجربة هذا الشاعر الشعرية وحياته، وبذلك حقق “الدوسري” فرادة في الاختيار وفي الدراسة، حيث أنه لم يعتمد على النص بل على إحالة النص إلى أصوله الأولى والعكس إحالة الأصول إلى النصوص، وهذا ما سماه الباحث بالمنهج الشمولي.
في الفصل الأول-وهو الذي يتناول حياة الشاعر- اتبع الباحث طريقه الاحتكام إلى التفسير والتحليل النفسي، وربط حياة الشاعر بشعره، وفي الفصل الثاني-وهو عن الرؤية-رأى الباحث أن يفكك الرؤية إلى أجزائها وعناصرها، بحيث يصبح لديه في النهاية زوايا عدة للنظر، ومنطلقات متعددة وهي التي انطلق منها الشاعر وأنتجت نصه. أما في الفصل الثالث، فدرس الباحث أدوات الشاعر فنية قصيدته والتي هي: الصورة-الإيقاع-اللغة-البناء الفني، مع رصده للظواهر المقاربة من كل مبحث. ولجأ في الفصل الأخير وهو الرابع إلى الغوص في مضمون أو محتوى تجربته، وأوضح في بداية الفصل دواعي الفصل بين الشكل والمضمون.