معضلتنا نحن العرب أننا نخلط بين امتلاك القوة وتحقيق السيطرة لإقامة شرع الله وإعداد الناس للحياة الآخرة وبين الحضارة الدنيوية التي يكون هدفها الإرتقاء بالإنسان في حياته؛ فكراً ومعرفة ومهارة وسلوكاً وتنمية وسائل الحياة الحاضرة وتوفير الظروف، ليعيش الناس حياة دنيوية حرة كريمة بقدر ما يُستطاع وما تسمح به الطبيعة البشرية المشحونة بالنقائص.
إن الفكر الذي تحمله وتفرضه وتحاول نشره وتعميمه داعش والقاعدة وجبهة النصرة وأنصار الشريعة، وبوكوحرام، وطالبان، وغيرها من التنظيمات الجهادية … يمثل نمط التفكير الذي توارثناه خلال تاريخنا الممتد قروناً. وقد ترسخ وتأجج هذا النمط من التفكير في هذا العصر بواسطة التعليم والإعلام ووسائل النشر وأدوات التواصل بشكل لم يكن ممكناً من قبل. فالثقافة الدنيوية وفرت للثقافات الدينية من الوسائل ما لم تكن تتخيله أو تحلم به.
يجب أن نتعامل مع أنفسنا ومع الواقع ومع الحضارة المعاصرة ومع العالم، ونحن ندرك الفروق النوعية بين رؤيتنا عن الإنسان والحياة والمجتمع والحضارة .. وبين الرؤية التي يتشارك بها حالياً كل العالم باستثنائنا نحن العرب. ولا اعتراض على اختيار الإتجاه فلست أفاضل بين الرؤيتين بل أصف كلاً منهما، فمن حق أية أمه أن تختار منظومة قيمها ومحور اهتمامها وأسلوب حياتها، لكن تفعل ذلك دون خلط بين رؤيتين متضادتين.
لقد ظهرنا نحن العرب على مسرح التاريخ دعاة دين لا بناة حضارة، وبقينا نعتبر أنفسنا معلمين للعالم وهادين له، لا متعلمين منه ولا مهتدين به.