مذكرات صلاح نصر – الانطلاق

أنهيتُ كتابي الأول ( الصعود ) من أوراقي بالحديث عن حرب السويس سنة 1956 تلك الحرب غير المتكافئة التي دارت رحاها على أرض مصر بين جيوش ثلاث دول منها دولتان كبيرتان وبين جيش مصر الفتي، الذي كان لا يزال في دور التأهب والاستعداد والتسليح وفي غالب ظنّي أنه بانتهاء حرب السويس تنتهي المرحلة الأولى من مراحل ثورة 23 يوليو، وتبدأ مرحلة جديدة من مراحل كفاحها خارج أرض مصر، وأعني معركتي القومية العربية والتضامن العربي، والوحدة العربية.
لقد واجهت ثورة 23 يوليو عناءً مريرًا وهي تشق طريقها في معركة الوحدة والقومية فقد تكالبت عليها قوى من خارج المنطقة العربية ومن داخلها؛ لتدمر وحدة مصر مع سوريا، سواء بالتآمر أو بالضغوط الاقتصادية والسياسية، فوحدة مصر وسوريا كانت بداية لوحدة عربية شاملة. ولذلك استمر التآمر على وحدة مصر وسوريا حتى تم الانفصال في 28 من سبتمبر سنة 1961 على يد الرجعية الرأسمالية السورية. ولم يكن الانفصال وليد ،ساعته وإنما كانت له جذور تآمرية قديمة، حرصت على أن أبرزها، وأوضح دوافعها، وأبين أصحابها الذين شاركوا في التآمر. ولقد كان وقع الانفصال على عبد الناصر عنيفًا، وكان له تأثير ملحوظ على سلوكه السياسي، وعلى تعامله مع زملائه الذين كانوا يشاركونه الحكم ، فقد أصبح يرتاب حتى فى أقرب الناس إليه، كما أنه بذل جهودًا يائسة لإعادة الوحدة مع سوريا سواء عن طريق المحادثات السرية، أو عن طريق العمل السري، وحتى عن طريق الغَزو، ولكن هذه الجهود باءت كلها بالإخفاق. والواقع أن انفصال سوريا عن مصر جاء فى أشد اللحظات التاريخية حرجًا لعبد الناصر ، ذلك أنه كان في ذروة نزاعاته مع العالم الخارجي؛ فقد كان في صراع دائم مع غالب الحكام العرب ، وكان في خلاف مرير مع الغرب، وفي نزاع متتال مع السوفييت، فضلًا عن تورطه في مشاكل أفريقيا التي اتجه إليها بحثًا عن فرض نفوذه في دول حصلت على استقلالها حديثًا، وبسرعة فاقت كل تنبؤات العصر.