"العبور على طائرة من ورق" لزينب السعود..
تتناول الكاتبة زينب السعود في روايتها «العبور على طائرة من ورق» الصادرة عن «الآن ناشرون وموزعون» في عَمَّان نوفمبر (2023)، التأثيرات النفسيّة والاجتماعية للحرب الروسية الأوكرانية على الطلبة العرب المبتعثين هناك.والذين عادوا الى بلادهم محملين بالخوف والإحباط دون أن يكملوا مسيرتهم العلمية لتبدأ حروب من نوع آخر ليس أولها محاولة تصويب أوضاعهم الدراسية وليس أخرها ما يلف كل شخصية من أزمات وصراعات نفسية واجتماعية .
تحمل الرواية عنواناً مفعَماً بالإيحاء يثير حماس القارئ سيما وأن كلمة ( العبور) تعدت معناها المعجمي في الرواية وفي واقع نعيشه يكثر اللغط فيه عن صراعات جندرية .
وتنهض العين الرّاصدة للكاتبة بمهمة متابعة مصائر أبطالها، دون أن تغفل عن التقاط انفعالاتهم النفسية الداخلية والاجتماعية الخارجية بنجاح ملحوظ فالعمل أشبه بمجموعة حلقات قصصية، ولكلّ قصة عنوان وبطل رئيسي تتمحور حوله الأحداث والمواقف. إلّا أنّ امتلاك الكاتبة لأدواتها الفنية أعاناها على معالجة المتن الحكائي وإبرازه في صورة معمار روائي متكامل يصهر قصص الشخصيات في قالب فني متماسك ويشبكها بخيوط محكمة تجعل من الرواية جديرة بالقراءة سيما أن هذه الرواية صورة نموذجية للرواية البولوفونية التي تتعدد فيها أصوات السرد. في (العبور على طائرة من ورق) تبحث كل شخصية عن شيء ما فـ"هتاف" تبحث عن إثبات ذاتها بهشاشتة أنثوية بعد أن أْجبرت على دراسة الطب و"أمجاد" تبحث عن هويّتها البيولوجية الحائرة بين الجنسين في خضمٍّ المعارضين وغير المتفَهِّمين. و"إلياس" الممزق بين انتهازية نفعية تارةً وبين مثالية أخلاقية تارة أخرى…حتى "إيفا" ابنة جمهورية "مالدوفا" شاركت في تسليط النور باتجاه فلسفة فكرية هامة. وهكذا يسعى كلّ فاعل إلى مفعوله محاطاً، إمّا بضروب النجدة والعون التي تقرّب المسافة من الهدف أو بألوان الخطر التي تبعده عنه.
وإضافة إلى ما سبق، يمكن لعشّاق الروايات السيكولوجية أن يجدوا في هذا العمل ما يلبيّ رغبتهم في تحليل العقد النفسية وأسرارها الغامضة
ينحدر معظم أبطال الرواية من خلفيات اجتماعية غير مستقرّة وأسر مأزومة تقع بين حدّين متطرفين من المبالغة والإفراط لتناقشةالكاتبة على لسان شخصياتها الكثير من الهم الإنساني المشترك سيما ذلك المسكوت عنه.
الرواية غنية بالحوارات التي تنم عن ثقافة الكاتبة وتعدد مصادرها المعرفية ويظهر ذلك جليا في منذ الوهلة الأولى التي تقع فيها العين على غلاف الرواية الذي لا يخفى مدة اكتنازه برمزيات تحيلنا إلى كثير من التساؤلات خاصة النفسية منها.وقد وظفت الكاتبة كثيرا من الأحداث التي عصفت بنا مؤخرا توظيفا فنيا موفقا ابتداء من قصة ريان الطفل المغربي الذي سقط في البئر وهزت فاجعته القلوب وانتهاء إلى زلزال تركيا وسوريا الأخير الذي أحدث حالة من الموت والدمار والوجع الإنساني.
في المحصلة العبور على طائرة من ورق هي عبور بين ألغام مناقشات فكرية واجتماعية ودينية زرعتها السعود بين ثنايا روايتها عل ابطالها يعبرونها بسلام.