ما يطالعه القارئ، وربما سيقرأه، هو هروبي إلى الحرية وللأسف، بالطبع، لم يكن هروبًا حقيقيًّا، ولكن كنتُ أتمنَّى لو كان كذلك. كان هذا هو الهروب الوحيد المُتاح من سجن فوتشا بجدرانه العالية وقضبانه الحديدية؛ هروب الروح والفكر. ولو كان بإمكاني أن أهرب، لاخترتُ الهروبَ الحقيقي؛ الهروب الجسدي.
وكذلك أفترض أنَّ القُرَّاء كانوا يُفضِّلون الاستماع إلى قصة مثيرة عن هروب سجين من سجن ذي حراسة مُشدَّدة بدلًا من قراءة أفكاري وتعليقاتي حول قضايا في السياسة والفلسفة.
لم يكن بإمكاني أن أتكلَّم، ولكن كان بإمكاني أن أُفكِّر، ومن ثمَّ قرَّرتُ استغلال هذه الإمكانية بأقصى درجة ممكنة. في البداية، كنتُ أقوم بحوارات داخلية صامتة حول جميع الأشياء وعلَّقتُ على الكتب التي كنتُ أقرأها والأحداث التي كانت تقع خارج السجن. ثم بدأتُ تدوينَ الخواطر، بشكل سري في البداية، ولكنَّني أصبحتُ فيما بعد أكثر ”شجاعة”، فأطلتُ التفكيرَ، وقرأتُ، وكتبتُ.
هذه أفكار عن الحرية، سواء الحرية الجسدية أو الجوَّانية، عن الحياة والمصير، عن الناس والأحداث، عن الكتب التي قرأتُها ومؤلِّفيها، عن الرسائل المُتخيَّلة التي لم تُكتَب لأبنائي؛ وبتعبير آخر، عن كلِّ ما كان يخطر ببال سجين خلال ألفي يوم وليلة طويلة.