الإمام الشافعي عالم كبير، ملأ الدنيا، وسارت بذكره الركبان، ولهج باسمه المسلمون في كل مكان، ودان بمذهبه الملايين من البشر، كيف لا وهو واحد من أئمة أهل السنّة الأربعة المبرزين، الذين ساروا على هدي من كتاب الله، وسنّة نبيه (صلى الله عليه وسلم) فشرحوا، ويسروا، وقرّبوا للأمة الإسلامية أصول الدين، ونظموا قواعده وأحكامه. ولم يكن من أهداف الشافعي أن يكون شاعراً يحلّق بخياله، أو يلوذ بهواه، فيمدح إذا رضي، ويهجوا إذا غضب، ومع ذلك فقد نسب إليه شعر كثير، كما نسب إلى الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة وعلماء الأمة من قبل. وإذا ما وضعنا في الحسنات أن نظم مثل هذا الشعر كان دأب كل عالم أو فقيه في زمان الشافعي، وأن كل من دان بمذهب الشافعي أو تتلمذ عليه كان ينعت بـ"الشافعي".
وأن الكثير بما نسب إلى الإمام من شعر كان يرد بعد قولهم: قال "الشافعي"، لأدركنا كم هو صعب التأكد من صحة ما نسب إليه، وعرفنا أن بعض ما سنقرأه في ديوانه قد يكون صحيح النسبة إليه، وقد يكون لغيره من العلماء. ومع ذلك، فبين أيدينا ديوان شعر نسب إلى الشافعي، وعنيت بتحقيقه ونشره دور ومؤسسات عدة. واللافت في طبعات الديوان المختلفة أنها تختلف عن بعضها البعض في كمية ما اشتملت عليه من أشعار، وتتمايز في تبويب القصائد وترتيبها وشرحها، وتتفاوت في تثبيتها من صحة ما نسب إلى الإمام من أبيات أو مقطوعات.
ويأتي الكتاب الذي بين يدينا من ديوان الإمام الشافعي ضمن دائرة الجهود والمحاولات لإخراج جوهر تراثنا العربي وكنوزه الثمينة بحلل جديدة ميسرة تجتذب القراء، وتناسب أذواقهم، وترضي فهمهم من الناحيتين الجمالية والأدبية. وهكذا يجمع هذا الكتاب ديوان الإمام الشافعي مبوباً تبعاً لحروف الهجاء وحركات الإعراب، والذي تناثرت أبياته ومقطعاته في مصادر شتى، أدبية ولغوية وتاريخية.. وهذا الشعر يمثل نموذجاً مثالياً لشاعرية رجل فقه إسلامي.