مما امتاز به القرنان الماضيان الكشف عن الحضارة الإنسانية عبر التنقيب في المدن والقرى والكهوف القديمة، لذا أصبحت الكثير من الحقائق التأريخية واضحة بعد أن كانت تعتمد النقل الشفوي الذي قد يتضمن الكثير من الملابسات والمزاجية أو المصلحية. ومن ثم أصبحت المادة الأثرية علماً يخضع للدراسة الدقيقة بغية الوصول إلى نتائج أفضل لفهم ماضي التراث الإنساني.
على أي حال، إن ما وصلنا من نتائج التنقيبات، يشير وبوضوح إلى أصالة الحضارات التي نشأت في وطننا العربي، مما جعلها مادة لحضارات أخرى كتلك التي نشأت في كل من إيران وبلاد اليونان مادة بحث هذا الكتاب.
إن استعراض المادة التي تخص التأثيرات الحضارية التي ساهمت في نهوض الحضارات الأخرى هي من الأهمية بمكان لمعرفة التفاعل الحضاري بين شعوب العالم. والبحث الذي بين يدي القارئ يعرض لحضارات متأخرة زمناً عن تلك التي نشأت في كل من العراق وسورية ومصر بشكل خاص، ووضعناه في قسمين بغية تقصي أبرز العناصر في إيران واليونان بما يوضح ما هو أصيل مبتكر أو سابق مستعار، عبر نظرة علمية مقارنة تضيف لمكتبتنا العربية دراسة جديدة.