امتلك لوقيانوس مقاليد البلاغة وأحس بهمس الفلسفة (تخاطبه): “إن هذه المهنة مجلبة للحقد والبغضاء … قَسَماً بهرقل!” فما كان من بدٍ عنده إلّا أن يُجيب مخاطباً “ولذا أنتِ ترين كم ألّبتْ عليَّ من أعداء ولأي أخطار عرّضتْني”. لقد أعجب لوقيانوس بمحاورات أفلاطون لما لها من طبيعة وحقيقة. فاختار المحاورة في أكثر كتاباته، ولكن حسب هواه ومشيئته المطلقة في مواضيع فلسفية وسواها، فيها الكثير من الجد والعبث، وفيها ما يشبه الألغاز الحكميّة والأخلاقية. البعض الآخر من محاوراته تام التأليف في نوعه وخليق بالمنزلة الثانية بعد محاورات أفلاطون العظيم.
إن تفوّق لوقيانوس يظهر جلياً في محاورات الآلهة، والآلهة البحرية، ومسامرات الأموات، وفي الدراما القصيرة، واستفتاء مَيْت، ومذاهب، والصياد والديك، وإيكار ومينيب. إن الحديث فيها تمليه دائماً فكرة هجائية أو نية أخلاقية أو فلسفية. لقد كان يتخيّر ألفاظه ونكته ليجعل النتيجة دائماً حاضرة في ذهنه وهو ما سنراه في فصول هذا الكتاب.