استرد أنفاسه متكئًا بمرفقيه على كرسي الحلاق، ومن تحت قُمقُم القناع راح يسرح نظره في الظلام الذي وجد نَفْسَهُ بداخلهُ، بدأ العرق ينزُّ منه، ينقضم من الداخل، يلتهم نفسهُ بنفسهُ، شحمة إذنهُ تبدو غضة وصلبة، متجمدة شفاههُ، رؤوس تتخابط ببعضها داخل رأسهُ، عبسة الوجه التي تبقى من بعد بكاء طويل كان هذا وجههُ، لم يشعر أحد من الموجدين في المحل أن هنالك عاصفة نائمة تحت القناع
قال في ذات نفسه:
– اللعنة، لازلت في العشرين من عمري وفي أواخر هذا الصيف استقبل الواحد والعشرين وفعلت كل هذا ؟!
قال ذلك بعد أن عرف الآن أن الذكريات لم تحزم حقائبها وترحل بعيدًا عنه، لم يعجبه ما شاهده من تحت القناع ظنَّ أَنَّهُ يستطيع توجيه إصبع اللوم إلى أحد بعينه، أي أحد، لكن الإصبع صار ثنان من ثم ثلاثة وأربعة حتى نفذت الأصابع من يديه الاثنتين فأدرك أَنِّهُ المجتمع، ثم التفّ إصبعهُ خارجًا عن سيطرته ليشير عليه وحدهُ.