تتميز هذه الدراسة الاجتماعية/ السياسية بالتركيز على تحليل الأسباب العميقة لفشل الدولة في العراق بعد التطور النسبي لأدائها، خلال العقود الأولى من تأسيسها سنة 1921، هذا الفشل ارتبط بعدم اكتمال عملية بناء الأمة. وتحاول الدراسة التي اعتمدت منهج علم الاجتماع التاريخي الإحاطة بصورة شاملة ومتماسكة، بعملية (process) بناء الدولة الحديثة في العراق وجذور المشاكل المترابطة، في ديناميكيتها، والتي عرفتها منذ بداية تأسيسها في القرن التاسع عشر، في ظل حكم أجنبي مهتم أساساً بجمع الضرائب وبمحاربة إيران وبالصراع مع الدول الأوربية الصاعدة، والى يومنا هذا. لتحقيق هذا الهدف، تضمنت الدراسة اجراء تشخيص دقيق، قدر الإمكان، لأنماط الحياة وخصائص النشاطات الاقتصادية وتأثيراتها في تكوين الانسان الممارس لكل منها ثم تنظيمات الجماعات القبلية وأنماط القيادة الاجتماعية السائدة في اطارها وكذلك منظومة القيم الثقافية، أي العقلية السائدة في البلد. مع اهتمامها بعموم البلد، ركزت الدراسة على المجتمعات العشائرية، ولا سيما عشائر الوسط والجنوب، لأهميتها الكبرى بالنسبة لعموم العراق ولخطورة الدور الذي لعبته خلال عملية تأسيس الدولة، سواء في صراعاتها مع السلطة المؤسسة أو في سياق العملية عموماً.
يسمح هذا البحث إذن بالإجابة على تساؤلات مهمة لا زالت مطروحة حول الأسباب الحقيقية لمشكلات الدولة والمجتمع في العراق الحديث والتي تفسر، ضمن أمور أخرى، الانعطافات التي عرفها البلد كنكوص إصلاحات الوالي مدحت باشا ونجاح البريطانيين، في المقابل، في إتمام عملية ولادة الدولة الحديثة في العراق، ثم دموية الصراعات السياسية في هذا البلد في سياق اخفاق الدولة، منذ تأسيس الملكية والى اليوم، في تأمين حياة مستقرة وازدهاراً متنامياً في هذا البلد العريق والغني بموارده البشرية والمادية.
كباحث في علم السياسة عمل المؤلف على انجاز مهمته بعيداً عن مدح هذه الطائفة أو ذم تلك العشيرة، لذلك لن ينتفع أصحاب مثل هذه المقاصد من هذا البحث الذي سيلقي الضوء على جذور ظواهر خطيرة الأهمية، لا زال المجتمع العراقي يعاني منها، كالغوغائية السياسية وصعوبةالاتفاق على قيادة واحدة والرغبة في “فرهدة” أموال الدولة، وكذلك شيوع العصبية القبلية، في السياسة كما في المجتمع، وروح الغلبة في التعامل مع الآخر، حتى في الجامعات حيث أصبح النقاش نوعاً من التحدي بين “السلطة العلمية” للأساتذة وطلابهم، إضافة الى تحكم الرجل بالمرأة التي تدفع غالياً ثمن أكليل الغار على رأس الرجل، ثم تجذر مشاعر الطائفية وسهولة استخدام الدين لأغراض سياسية واجتماعية واقتصادية، والإرهاب الذي يستمد جذوره من الماضي القريب للعراق، والأقطار العربية، إضافة الى جذوره البعيدة.